يوم مات البحر الميت
<h3 class="post-title subpt">و في تلك اللحظة، لم يكن أمين الصندوق في المدخل المؤدي إلى البحر الميت سوى مدافعاً عن الفصل العرقي - أو بالأحرى رسولاً لنظام الفصل العنصري. يصف ساري فريتخ اليوم الذي مُنِعَ فيه صديقه الفلسطيني ذو البشرة الداكنة من دخول الشاطئ المخصص لليهود فقط في الضفة الغربية.</h3><div class="quoteblock"><div class="quotetext"></div></div><p>يقطن رمزي الفلسطيني ذو الوجه الوسيم في مخيم طولكرم للاجئين في شمال الضفة الغربية</p><p>لم يتسني لرمزي أبدا أن يري البحر المتوسط الذي لايبعد عن محل إقامته سوي عشرة أميال ومع ذلك فإنه يحبه. وبالنسبة له فإن الأجازة المثالية كانت دائما تعني الصيف والرمال والبحر. ربما كان هذا هو السبب في اقتراحه الدائم بالذهاب إلي البحر الميت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.</p><p>وأنا شخصياً قد لا أبدي دائما حماسة للذهاب إلى البحر الميت نظراً لقلة الخدمات، وقلة الكراسي المتاحة، وارتفاع ثمن تذكرة الدخول، والشعور العام الذي ينتابني بأن المكان يشوبه الإهمال. إلا انني دائماً ما أخضع لهذا الاقتراح لأن البحر الميت هو المنفذ المائي المالح الوحيد الذي باستطاعة رمزي الذهاب إليه.</p><p>تنقسم شواطئ البحر الميت إلى الشواطئ الجنوبية داخل الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياً وإلى الشواطئ الشمالية التي تقع داخل الضفة الغربية المحتلة وإن كان الإسرائيليون هم الذين يديرونها. ويجوز لرمزي التجول فقط داخل الضفة الغربية لأنه لا يحمل سوى بطاقة صادرة من السلطة الفلسطينية.</p><p>ودائماً يختار رمزي الشواطئ الشمالية "المسموحة للعرب" – وهي في منطقة يسيطر عليها الإسرائيليون دون السلطة الفلسطينية .وعلي الرغم من وجود الشواطئ الأرخص والأفضل على الجانب الآخر إلا أن الدخول إليها مقصور فقط علي اليهود.</p><p>وحتى ذلك الحين فإنني لم أكن قد أوليت هذا النوع من التمييز العنصري الكثيرمن التفكير. كنت أذهب إلى الشواطئ العربية لأن هذه كانت رغبة رمزي ولأنني كنت أحب الخروج بصحبته.</p><p>تغير هذا عندما جاءت صديقتي الحميمة كارلا من الجمهورية الفضية لزيارتي في فلسطين لأول مرة. فلما طرحت كارلا السؤال "ماذا سنفعل في عطلة نهاية الأسبوع هذه؟" جاءت إجابة رمزي المعتادة لتجعلنا ننطلق إلى البحر الميت. ولكن، خلافاً للعادة، قررنا أن نذهب إلي الشاطئ اليهودي "كاليا" حتى ترتاح كارلا في لبس البيكيني، وهو النوع من المايوهات الذي تندر رؤيته في الشواطئ "المسموحة للعرب".</p><p>عندما وصلنا إلى بوابة الدخول، قمت أنا الفلسطيني ذو البشرة الشاحبة وحامل الجنسية الإسرائيلية – بدفع التذكرة وكذا فعلت كارلا. والآن كان دور رمزي ليفعل نفس الشيء. </p><p>وجد رمزي نفسه واقفاً وجها لوجه أمام بائعة التذاكر التي استوقفتها ملامحه العربية السمراء الداكنة. وطلبت منه إبراز بطاقة الهوية .</p><p>حينئذ التفت إلي وقال "لا جدوي يا صديقي . دعنا ننصرف."</p><p>وقفت متحيراً لحظة إلي أن أدركت حقيقة الأمر.</p><p>إن الضفة الغربية تقع تحت نظام الفصل العنصري. هي أرض يعيش عليها شعبان لا يري احدهما الاخرأبدا ولو بشكل غير مقصود . شعبان هما: الفلسطينيون والمستوطنون الإسرائيليون. العنصرية هنا ممنهجة فهناك الشوارع المخصصة فقط لليهود. كما أنه في نقاط التفتيش يوجد مداخل مخصصة للسيارات الإسرائيلية واخري للسيارات الفلسطينية، بحيث يتعرض الفلسطينيون للإهانة والفحص الدقيق الذي قد يستغرق ساعات.</p><p>وعندئذ أدركت أن المحصلة على بوابة الدخول إلى البحر الميت ما هي إلا أحد الداعمين لنظام الفصل العنصري البغيض هذا!</p><p>اقتربت منها غاضباً وطلبت منها أن تقبل نقود صديقي حتى يدخل. رفضت هي وأصررت أنا. وبدأ صوتي يرتفع أكثر وأكثر من جراء الغضب المستعر بداخلي.</p><p>وضح طبعاً استياء صديقي لهذا، إلا أني أشك أنه اعتبر ولو للحظة واحدة أن ما حدث كان خطأ من الناحية الأخلاقية. فقد تعود الفلسطينيون على تحمل الإهانة اليومية. فبشكل أو باخر يجب أن يعرفوا بأنفسهم أنهم يعيشون في ظل التفرقة العنصرية حيث يحل مصطلح "الاحتلال" مكان مصطلح "التفرقة العنصرية". ولا يستطيع الشخص تفهم الأمر إلا بعد أن يتدبره ويمعن التفكير فيه وعندئذ سيصل إلي هذه النتيجة.</p><p>يعتبر النظام بسيطا ومعقدا في نفس الوقت. يوضع الفلسطينيون داخل المناطق المفترض أنها ذات الحكم الذاتي لإفساح المجال أمام المستوطنين الإسرائيليين كي يتوسعوا ويزدهروا ويذهبوا إلى الشواطئ دون أي إزعاج. كما قالت صحيفة<a href="http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/palestinians-barred…; الإندبندنت البريطانية عام 2008</a>: " طبقا للالتماس الذي رفعته المنظمة الإسرائيلية الرئيسية لحقوق الإنسان إلى المحكمة العليا فإنه يتم منع الفلسطينيين منعاً نظامياً وبشكل غير قانوني من الوصول إلى شواطئ البحر الميت في الضفة الغربية المحتلة، ،" قدم هذا الالتماس جمعية حقوق المواطن في إسرائيل. ولم أدرك قدر الإهانة المتمثلة في خلع الملابس أمام ضباط الأمن أو الاضطرار إلى الدفاع عن البطاقة القدسية أمام جنود إسرائيليين مراهقين، حتى تعرضت أنا إلى تلك العملية.</p><p>لم يستوعب رمزي أسباب غضبي بشكل كامل ، كما لم تستوعبها المحصلة. فلم ير أي منهما ما رأيته أنا.</p><p>فمن وجهة نظري، كان من المفترض أن تكون المرأة الإسرائيلية موظفة فقط، وليست ضابطة أمن في مكتب الهجرة. كان من المفترض أن تسمح للناس بالدخول، بغض النظر عن جنسهم، أو سنهم، أو جنسيتهم، أو عرقهم. كانت وظيفتها أن تسلم أي زبون مسالم تذكرته بابتسامة. وكان صديقي مسالماً للدرجة أنه كان يقف هناك بريئاً في سروال السباحة.</p><p>وأخيراً، صحت فيها وسببت ولعنت واسترجعت نقودي. وصرحت لها بأن ما تفعله ماهو الا فعل عنصري ، وخاصة أن الشاطئ يقع على أرض محتلة. فردت قائلة "وماذا عساكم فاعلون عندما تسيطرون علي شخيم [نابلس] ورام الله؟!" .إلا أنني لم أفهم قصدها. وقالت صديقتي الأرجنتينية بقلق "في أي عصر يعيش هؤلاء ؟!"</p><p>ويومئذ تعلمت أن الضفة الغربية ما هي إلا الحديقة الخلفية لإسرائيل التي تستخدمها لدفن سرها المشين: التفرقة العنصرية. لن يجد رمزي أي شخص يمكن أن يساعده، لا يمكنه أن يستأجر محامياً يحصل من خلاله على التعويض عن هذه الإهانة. لن يجد أي طريق سوى أن يرجع إلى مخيمه المعزول، ولكن ليس أبداً للبحر.</p><p>في ذلك اليوم، لم نصل إلى البحر الميت. في ذلك اليوم، دخل البحر الميت قائمتي ل"الأشياء الواجب مقاطعتها". في ذلك اليوم مات البحر الميت.</p>
<p><em>ساري فريتخ، كاتب نُشِر له بالعربية وحاصل على درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية واللغة الفرنسية من جامعة هيوستن بتكساس بالولايات المتحدة الأمريكية. وهو يجيد اللغتين الإنجليزية والعربية بطلاقة، حيث تم تعيينه كمتخصصٍ لغويٍ/ مدرس مساعد بقسم اللغات الحديثة و التقليدية بجامعة هيوستن، بالإضافة إلى أنه ساعد في الأعمال التنسيقية بمؤسسة فيصل الحسيني لمدةٍ وجيزةٍ. و حالياً، يساعد ساري في تشغيل عملية حجر القدس بالولايات المتحدة الأمريكية (أرابيسك انسبيريشن) و يستمر في نشاطه الكتابي. </em></p>